القلوب، لا تقتصر على ظاهر البدن أو أطراف
الأعضاء، بل يعم حرها ظاهر البدن وباطنه. ثم أخبر سبحانه أن هذه النار مغلقة
الأبواب مسدودة المنافذ، فقال: ﴿إِنَّهَا
عَلَيۡهِم مُّؤۡصَدَةٞ ٨ فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِۢ ٩﴾ [الهمزة: 8، 9] والعمد: أوتاد
الأطباق التي تطبق على أهل النار، وتشد تلك الأطباق بالأوتاد حتى يرجع عليهم غمها
وحرها، فلا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم.
أيها المسلمون: إنه إخبار من أصدق
القائلين، وتهديد من عزيز مقتدر يقول للشيء: كن فيكون؛ إنه وعيد لمن أعجبته نفسه،
فاحتقر الناس بالهمز واللمز، وأعجبه ماله حتى صار عبدًا له، اشتغل به عن طاعة ربه
وحبسه عن واجبه، وصار يظن أنه سيبقى دائمًا لهذا المال، وسيبقى هذا المال له، لا
يفكر في حساب، ولا يخاف من عقاب، ولا يطمع في ثواب.
إن هذه السورة العظيمة الكريمة، تحذرنا تحذيرًا مؤكدًا من هذه الصفات، وتحثنا على الاتصاف بأضدادها من صفات الخير: صفة التواضع واحترام المسلمين، والكف عن أعراضهم، وإطابة المكاسب وعدم الاغترار بالمال والغنى والانشغال به عما أوجب الله. إن الله لم يحرم علينا جمع المال من وجوهه المباحة، ولكنه حرم علينا الجمع الذي يصاحبه الغرور، ومنع الحقوق الواجبة والمستحبة. إنه سبحانه إنما ذم ﴿وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ﴾ ([1])، ﴿ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ ٢ يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ ٣﴾ [الهمزة: 2، 3]، وأثنى على ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ٥ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٦﴾ [الليل: 5، 6] فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أن تكون أموالكم سببًا في هلاككم وشقاوتكم.
([1]) زيادة من طبعة دار المعارف.