قال ابن كثير رحمه
الله: يقول الله تعالى: «لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن
ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم» ([1]) ويعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما
بأيديهم؛ لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى
قومًا من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تركوا بيعهم ونهضوا إلى الصلاة، فقال
عبد الله بن مسعود: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه: ﴿رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا
بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ﴾ [النور: 37] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في السوق،
فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم، ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت: ﴿رِجَالٞ
لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ﴾ [النور: 37]، وقال مطر الوراق: كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء
وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة.
أيها المسلمون: وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التبكير بالحضور لصلاة الجمعة واستماع الخطبة؛ فقد روى الإمام أحمد بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، فَدَنَا مِنَ الإِْمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» ([2]). قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث له طرق وألفاظ، وقد أخرجه أهل السنن الأربعة، وحسنه الترمذي. وكثير من الناس يفرطون في هذا الأجر العظيم، ويضيعونه، ولا يحضرون لصلاة الجمعة إلا عند الإقامة، أو فوات بعض الصلاة، ويتركون استماع الخطبة التي فيها توجيههم وإرشادهم وموعظتهم وتنبيههم. قال ابن
([1]) زيادة من طبعة دار المعارف.