فهذا الحديث من
جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو أصل كبير من أصول الدين وفروعه، حيث قسم أحكام
الله إلى أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه، وذلك يجمع أحكام الدين
كلها، ولهذا قال بعض العلماء: من عمل بهذا الحديث فقد حاز الثواب وأمن العقاب؛ لأن
من أدي الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه - فقد
استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين.
والمراد بالفرائض ما فرض الله على عباده، وألزمهم القيام به؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وأما المحارم فهي حمى الله الذي منع من قربه وانتهاكه، وهي كل ما نهى عنه وتوعد من ارتكبه، وأما الحدود فيراد بها جميع ما أذن الله في فعله، سواء عن طريق الوجوب، أو عن طريق الندب، أو عن طريق الإباحة. واعتداؤها: تجاوزها إلى ارتكاب ما نهى الله عنه، كما قال تعالى: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ﴾ [البقرة: 229]، ويراد بحدود الله أيضًا نفس المحرمات التي حرمها، وحينئذ ينهى عن قربها؛ كما قال تعالى: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ﴾ [البقرة: 187]، فالحدود المأذون في فعلها لا تتعدى، والحدود المنهي عنها لا تقرب. وقد تطلق الحدود، ويراد بها العقوبات المقدرة الرادعة عن المحارم فيقال: حد الزنا، وحد السرقة، وحد المسكر، كما قال صلى الله عليه وسلم لأسامة: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» ([1]) يعني القطع في السرقة.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3288)، ومسلم رقم (1688).