فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ
عَن كَثِير﴾ [الشورى: 30] ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ
وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن
يُنِيبُ﴾ [غافر: 13].
عباد الله: إن في تصريف الرياح
عبرة عظيمة، وقد وجه الله سبحانه إليها الأنظار بالاعتبار في آيات كثيرة من كتابه
الكريم، فالرياح تارة تأتي بالرحمة، وتارة تأتي بالعذاب، وتارة تأتي مبشرة بين يدي
السحاب، وتارة تسوق السحاب، وتارة تجمعه، وتارة تفرقه، وتارة تصرفه، ثم تارة تأتي
من الجنوب، وتارة من الشمال، وتارة من الشرق، وتارة من الغرب.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وتأمل منفعة الريح، وما تجري له في البر والبحر، وما هيئت له من الرحمة والعذاب، وتأمل كم سخر للسحاب من ريح حتى أمطر، فسخرت له المثيرة أولاً فتثيره بين السماء والأرض، ثم سخرت له الحاملة التي تحمله على متنها كالجمل الذي يحمل الراوية، ثم سخرت له المؤلفة فتؤلف بين قطعه، ثم يجتمع بعضها إلى بعض، فتصير طبقًا واحدًا، ثم سخرت له اللاقحة فتلقحه بالماء، ولولاها لكان جهامًا لا ماء فيه، ثم سخرت له المُزْجِية التي تزجيه وتسوقه إلى حيث أُمر، فيفرغ ماءه هنالك، ثم سخرت بعد إعصاره المفرقة التي تبثه وتفرقه في الجو، فلا ينزل مجتمعًا، ولو نزل جملة لأهلك المساكن والحيوان والنبات، بل تفرقه فتجعله قطرًا. وكذلك الرياح التي تلقح الشجر والنبات ولولاها لكانت عقيمًا، وبالجملة فحياة ما على الأرض من نبات وحيوان بالرياح، فإنه لولا تسخير الله لها لعباده لذوي النبات، ومات الحيوان، وفسدت المطاعم، وأنتن العالم وفسد. وتسمى رياح الرحمة: المبشرات،