والنشر، والذاريات، والمرسلات، والرخاء،
واللواقح، وتسمى رياح العذاب: العاصف والقاصف؛ وهما في البحر، والعقيم والصرصر؛
وهما في البر.
وإن شاء حركه بحركة
العذاب فجعله عقيمًا، وأودعه عذابًا أليمًا، وجعله نقمةً على من يشاء من عباده،
فيجعله صرصرًا ونحسًا وعاتيًا ومفسدًا لما يمر عليه، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم
اختلاف، فريحٌ لينةٌ رطبةٌ تغذي النبات وأبدان الحيوان، وأخرى تجففه، وأخرى تهلكه
وتعطبه، وأخرى تشده وتصلبه، ولهذا يخبر سبحانه عن رياح الرحمة بصيغة الجمع لاختلاف
منافعها، ولما كانت الرياح مختلفة في مهابها وطبائعها، جعل لكل ريحًا مقابلتها،
تكسر سورتها وحدتها، ويبقى لينها ورحمتها، فرياح الرحمة متعددة، وأما ريح العذاب فإنه
ريح واحدة ترسل من وجه واحد لإهلاك ما ترسل لإهلاكه، فلا تقوم لها ريح أخرى
تقابلها، وتكسر سورتها، وتدفع حدتها، بل تكون كالجيش العظيم الذي لا يقاومه شيء،
يدمر كل ما أتى عليه.
عباد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ -تَعَالَى- «تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ» ([1]) وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ، فَلاَ تَسُبُّوهَا، سَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا» ([2]). وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» ([3]). فيستحب للمسلم أن يقول هذا الدعاء عند هيجان الرياح،
([1]) سقط من طبعة دار المعارف.