وقد أنجاهم الله عند حلول غضبه، والكثير استمروا
على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار الأخيار الذين نهوهم
عن الفساد، ففاجأهم العذاب فأهلكهم. ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة
لنفسها، ولم يهلك قرية مصلحة قط؛ ولهذا أمر الله هذه الأمة أن يكون فيها من يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر؛ فقال تعالى: ﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ
بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]؛ وذلك ليسلموا مما
أصاب الأمم قبلهم بسبب إهمال هذا الجانب. والذي يتمسك بالكتاب، ويؤدي ما أوجب الله
عليه يسمى مصلحًا؛ قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا
لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ﴾ [الأعراف: 170]؛ وذلك لأن الأرض تعمر
بالطاعة، وتكثر خيراتها، ويكون هؤلاء الصالحون قدوة لغيرهم في الخير.
ومن أنواع الإصلاح: الإصلاح بين
المتعادين المتقاطعين من المسلمين، قال الله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ﴾ [الأنفال: 1]. عن أبي الدرداء
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ
بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا:
بَلَى: قَالَ: «فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» ([1]). وفي روايةٍ أنه
قال: «هِيَ الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ
الدِّينَ» ([2]).
وقال الله تعالى: ﴿لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2509)، وأحمد رقم (27508)، وابن حبان رقم (5092).