وقد أمر الله بالإحسان إلى الخلق تارةً أمر وجوبٍ؛ كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بمقدار ما يحصل به البر والصلة، والإحسان إلى الجار، والإحسان إلى الضيف، والإحسان إلى ملك اليمين؛ قال تعالى: ﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ﴾ [النساء: 36]، وتارةً يأمر الله بالإحسان إلى الخلق أمر استحباب وندب، كالإحسان بصدقة التطوع، وقد أمر بالإحسان إلى الناس حتى بالكلام فقال تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا﴾ [البقرة: 83] أي قولوا لهم قولاً حسنًا، وأمر سبحانه من عليه حقٌ لأحدٍ أن يؤديه بإحسانٍ من غير مماطلةٍ ولا تنكيد؛ قال تعالى: ﴿فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ [البقرة: 178] بل من الإحسان في ذلك الزيادة على الحق؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً» ([1])، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى القتيل حال قتله، وإلى الذبيحة حين ذبحها، فقال: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِْحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» ([2]). والإحسان في قتل من يجوز قتله من الناس، وفي ذبح ما يجوز ذبحه من البهائم: إزهاق النفس على أسرع الوجوه وأسهلها من غير زيادةٍ في التعذيب؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المُثلَة. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صبر البهائم، وهو أن تحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت؛ ففي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ» ([3]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2182)، ومسلم رقم (1601).