في التفكير في العواقب
الحمد لله رب
العالمين، خلق كل شيءٍ فقدره تقديرًا، خلق هذا الإنسان وفضله على كثيرٍ ممن خلق
تفضيلاً، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وأمده بالعقل والتفكير، وبين له
طريق الخير وطريق الشر، ﴿إِنَّا
خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ
سَمِيعَۢا بَصِيرًا ٢ إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا ٣﴾ [الإنسان: 2، 3].
أحمده على فضله
وإحسانه، وأسأله أن يمدنا بتوفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه
إلى يوم الدين.
·
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى،
واعلموا أنكم في هذه الدنيا لستم بدار إقامة، وإنما مررتم وأنتم في طريقكم إلى
الآخرة، لتتزودوا منها بالأعمال فالعبد من حين استقرت قدمه في هذه الدنيا، فهو
مسافرٌ إلى ربه، ومدة سفره هي عمره، وقد جُعِلت الأيام والليالي مراحل لسفره؛ فكل
يومٍ يقطع مرحلةً من المراحل، ولا يزال يطويها مرحلةً مرحلةً حتى ينتهي السفر.
فالعاقل من اغتنم تلك المراحل فقطعها بالأعمال الصالحة حتى يطوي مراحل عمره كلها،
فيحمد سعيه، ويبتهج بما أعده ليوم فاقته وحاجته، فإذا طلع عليه صبح الآخرة، وانقشع
عنه ظلام الدنيا حمد سراه، وإنجاب عنه كَراهُ.
وأما الأشقياء فإنهم قطعوا تلك المراحل بما يسخط الله، فهم يسيرون إلى النار، وكلما قطعوا من هذه الدنيا مرحلة قربوا إلى النار
الصفحة 1 / 441