لأكل هذه التمرة ولم
يتركها تذهب وتفسد، وهذا مما يدل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشأن النعمة
وحفظها من الإهدار، وعن أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها «أَنَّهَا وَجَدَتْ
تَمْرَةً فَأَكَلَتْهَا وَقَالَتْ: إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ» ([1]). وقد روى ابن ماجه
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ
فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقَاةً، فَأَخَذَهَا فَمَسَحَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا، وَقَالَ: «يَا
عَائِشَةُ، «أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ» ([2]) أَكْرِمِي
كَرِيمًا، فَإِنَّهَا مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ قَطُّ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ» ([3])، وقال صلى الله
عليه وسلم: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ
مَا بِهَا مِنَ الأَْذَى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ».
وأمر صلى الله عليه وسلم بلعق الأصابع والصحفة وقال: «إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ
فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ» ([4]).
كل هذا من حفظ
النعمة وتوقيرها وتوفيرها عن الضياع والابتعاد عن التكبر، وإذا قارنت بين هدي
النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وبين ما عليه غالب الناس اليوم من امتهانٍ
للنعمة، وإسرافٍ في عمل الأطعمة وإهدارها، تبين لك الفرق العظيم، وخِفْت على الناس
من العقوبة العاجلة، فترى كثيرًا من الناس في حفلات الزواج وغيرها يصنعون الولائم
الكبيرة من الأطعمة واللحوم، ثم لا يُؤكل منها إلا القليل، وأكثرها يُهدَر،
ويُلقَى في المزابل، وينتج عن ذلك مفسدتان عظيمتان:
الأولى: الإسراف وإفساد المال، وقد قال تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ﴾ [الأعراف: 31]، وقال تعالى: ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ
([1]) أخرجه: ابن أبي شيبة رقم (21652).