بني إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب
بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض، فجعل يستعبدهم في
أخس الصنائع ومع هذا ﴿يُذَبِّحُ
أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ﴾.
وكان الحامل له على
هذا الصنع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يؤثرونه عن إبراهيم
عليه السلام عن أنه سيخرج في ذريته غلامٌ يكون هلاك ملك مصر على يديه، وكانت هذه
البشارة مشهورة في بني إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم، ووصلت إلى فرعون،
فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرًا من وجود هذا الغلام -ولن يغني حذرٌ من
قدر- فقد شاء الله ألا يُربَّى هذا المولود إلا في دار فرعون، ويتغذى بطعامه
وشرابه، فلما حملت أم موسى به احترزت من أن يُعلم بحملها، ولم يكن يظهر عليها
علامات الحمل، فلما ولدته ضاقت به ذرعًا، فألهمها الله أن تتخذ له تابوتًا، وكانت
دارها على نهر النيل فكانت ترضع ابنها، فإذا خشيت من أحدِ وضعته في ذلك التابوت،
فأرسلته إلى البحر، وكان في التابوت حبل تمسكه به، فأرسلته ذات يوم، ونسيت أن تربط
الحبل، فذهب التابوت وفيه ولدها مع النيل، فمر على دار فرعون ﴿فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ
فِرۡعَوۡنَ﴾ [القصص: 8]، ووُضِعَ بين يدي امرأة فرعون، فلما فتحته رأت وجهه يتلألأ بالأنوار، فوقع
حبه في قلبها، فلما جاء فرعون ورآه أمر بذبحه، فدافعت عنه وقالت: ﴿قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ﴾ [القصص: 9]. وقد حقق الله لها
ما رجت، فهداها الله به، وأسكنها جنته بسببه.
ولما أرادوا أن يغذوه بالرضاعة لم يقبل ثديًا، فحاروا في أمره، فأرسلوه مع القوابل إلى السوق لعلهم يجدون له مرضعةً يقبل ثديها،