في كل وجه، وجعلوا لمن يأتي به الأموال الطائلة،
قال الله تعالى: ﴿وَإِذۡ
يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ
يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]. وأمر الله
عنكبوتًا فنسجت على باب الغار، وحمامةً فرَّخَت فيه، وعندما وصل المشركون إلى باب
الغار، وقفوا عليه حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى
موضع قدمه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا
ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟» ([1])، وفي ذلك يقول الله
عز وجل: ﴿إِلَّا
تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ
ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ
مَعَنَاۖ﴾ [التوبة: 40]. ولما رأى المشركون عش العنكبوت أيسوا من وجود النبي صلى الله عليه وسلم
في الغار حتى قال أحدهم: إن هذا العش موجودٌ قبل أن يولد محمد. وانصرفوا خائبين
صاغرين.
ومكث النبي صلى الله
عليه وسلم وصاحبه في الغار أيامًا. وكان عبد الله بن أبي بكرٍ يأتيهما خفيةً
بأخبار المشركين، وكان عامر بن فُهيرة مولى أبي بكرٍ يرعى غنمًا ويمر بها عليهما
فيحلبان من لبنها، وكانت أسماء بنت أبي بكرٍ تأتيهما بالطعام خفيةً في المساء،
فلبثا في الغار ثلاثة أيامٍ حتى انقطع الطلب، فجاء الدليل بالراحلتين على الميعاد،
فركبا وتوجها إلى المدينة.
وكان الأنصار ينتظرونهما بفارغ الصبر كل يومٍ إلى أن وصلا بسلامة الله وحفظه إلى المدينة، وهناك اجتمع المهاجرون والأنصار، وتكونت الدولة الإسلامية، وأمر الله رسوله بالجهاد؛ لإعلاء كلمة الله وإظهار دينه، فواصل صلى الله عليه وسلم الغزوات والسرايا، ونصره الله وأظهر دينه حتى دخل مكة عام الفتح معززًا منصورًا، تحفُّ به رايات المهاجرين
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3453)، ومسلم رقم (2381).