والأنصار، وأزال ما
على الكعبة المشرفة من الأصنام، ودخلها وكبر الله فيها، ثم خرج إلى قريشٍ، وكانوا
قد اجتمعوا في المسجد الحرام ينتظرون ماذا يُفعَل بهم من العقوبة، فقال: «يَا
مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَظُنُّونَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرًا،
أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قال: «فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: ﴿قَالَ لَا تَثۡرِيبَ
عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ﴾ [يوسف: 92] اذْهَبُوا
فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» ([1]).
عباد الله: هكذا كانت هجرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لأجل نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، ليس القصد
منها الرفاهية، وراحة البدن والتنعم، وهكذا تكون هجرة المؤمنين إلى آخر الزمان. فالهجرة
من بلد الكفر إلى بلد الإسلام باقيةٌ إلى أن تطلع الشمس من مغربها لمن لا يستطيع
إظهار دينه في بلد الكفر. وإظهار الدين معناه الجهر به، والدعوة إليه وبيان بطلان
ما عليه الكفار، وليس معنى إظهار الدين أن يُترَك الإنسان يصلي ويتعبد، ويسكت عن
الدعوة إلى الله وإنكار الشرك والكفر، لو كان الأمر كذلك لبقي النبي صلى الله عليه
وسلم بمكة؛ لأن المشركين لم يمنعوه من أن يصلي ويتعبد، ولكنهم منعوه من الدعوة إلى
الله، وإبطال ما عليه الكفار والمشركون.
عباد الله: إن من الناس اليوم من لا يعرف عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنها ذكرى تمر كل عام، وتُقام بمناسبتها احتفالات وخطب ومحاضرات لمدة أيام، ثم تنتهي وتُنسَى إلى مرور تلك الأيام من السنة القابلة، دون أن يكون لذلك أثرٌ في سلوكهم وعملهم؛ ولذلك تجد بعضهم لا يهاجر من بلاد المشركين إلى بلاد الإسلام كما هاجر
([1]) أخرجه: البيهقي رقم (18055).