×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثاني

·        الشرك نوعان:

شرك أكبر: يخرج من الملة، ويكون صاحبه في الدنيا حلال الدم والمال، إلا إذا كان له عهدٌ من المسلمين، وفي الآخرة يكون خالدًا مخلدًا في نار جهنم، فقد حرمه الله من جنته، وطرده من مغفرته ورحمته. وهذا الشرك يحصل ويتحقق إذا وجه العبد شيئًا من العبادة لغير الله؛ كأن يدعو الأموات والجن والشياطين، لقضاء حاجاته وتفريج كرباته، أو يذبح لهم لشفاء مرضه، أو لدفع شرهم عنه.

ومن ذلك ما يحصل اليوم عند قبور الأولياء والصالحين، حيث أصبحت تلك القبور أوثانًا تُعبَد من دون الله في كثيرٍ من البلاد، كما فعل قوم نوحٍ غلوًا في الصالحين ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا [نوح: 23]. ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أن هؤلاء المذكورين في هذه الآية: «أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ» ([1]). وروى ابن جرير رحمه الله عن محمد بن قيس: «أن يغوث، ويعوق، ونسرًا - كانوا قومًا صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة، فصوروهم، فلما ماتوا -أي مات هؤلاء المصورون- وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يُسقَون المطر، فعبدوهم» ([2]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4636).

([2])  انظر: « تفسير الطبري » (23/639).