سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ
وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ
وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ ١٦ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ
نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ ١﴾ [سبأ: 15- 17].
قال الإمام ابن كثير
رحمه الله: كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس صاحبة سليمان
من جملتهم، وكانوا في نعمةٍ وغبطةٍ في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم، وزروعهم
وثمارهم، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده،
وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما أُمرِوا به، فعوقبوا بإرسال
السيل، والتفرق في البلاد أيدي سبأ، شذر مذر.
وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ١٨ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ١٩﴾ [سبأ: 18، 19]: يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمة والغبطة والعيش الهنيء الرغيد والبلاد المرضية والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زادٍ ولا ماءٍ، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قريةٍ ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم ﴿فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا﴾، وذلك أنهم بطروا هذه النعمة، وأحبوا مفاوز ومهام يحتاجون في قطعها إلى الزاد، والرواحل، والسير والمخاوف ﴿وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ﴾ أي: بكفرهم ﴿فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ﴾. أي: جعلناهم حديثًا للناس وسمرًا، يتحدثون عن خبرهم، وكيف مكر الله بهم، وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة، والعيش الهنيء، تفرقوا في البلاد ها هنا وها هنا.