كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ» ([1]). ومتى تكلف الإنسان
الخشوع في جوارحه وأطرافه مع عدم خشوع قلبه كان ذلك خشوع نفاقٍ؛ فقد نظر عمر رضي
الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه، فقال له: يا هذا، ارفع رأسك، فإن الخشوع ليس في
الرقاب. إن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، والخشوع الحاصل في القلب إنما يحصل من
معرفة الله عز وجل، ومعرفة عظمته، فمن كان بالله أعرف كان له أخشع.
ومن أعظم الأسباب لحصول الخشوع تدبر كلام الله عز وجل، فقد قال الله تعالى: ﴿لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ﴾ [الحشر: 21]. وقد وصف الله المؤمنين من علماء أهل الكتاب بالخشوع عند سماع هذا القرآن، فقال تعالى: ﴿قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ ١٠٧ وَيَقُولُونَ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعۡدُ رَبِّنَا لَمَفۡعُولٗا ١٠٨ وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩ ١٠﴾ [الإسراء: 107- 109]. وقد ذم الله من لا يخشع عند سماع كلامه، فقال سبحانه: ﴿أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾ [الحديد: 16]، بل قد توعد الله أصحاب القلوب القاسية بقوله: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [الزمر: 22]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من قلب لا يخشع، كما في الحديث الذي رواه مسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا» ([2]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (52)، ومسلم رقم (1599).