×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثاني

وقد شرع الله لعباده من أنواع العبادات ما يظهر فيه خشوع قلوبهم وأبدانهم، ومن أعظم ذلك الصلاة، وقد مدح الله الخاشعين فيها بقوله: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ٢ [المؤمنون: 1، 2]. قال مجاهد: كان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن عز وجل أن يشذ نظره، أو يلتفت، أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيءٍ أو يحدث نفسه في أمر الدنيا، إلا ناسيًا، ما دام في صلاته. وفي صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» ([1]).

عباد الله: وللخشوع في الصلاة أسباب من أعظمها استحضار العبد عظمة ربه الذي هو واقف بين يديه وأنه قريب منه، يراه، ويسمعه، ويطلع على ما في قلبه وضميره، فيستحي من ربه عز وجل. ومن أسباب الخشوع في الصلاة وضع اليدين إحداهما على الأخرى، بأن يضع اليمنى على اليسرى، ويجعلها فوق صدره، ومعنى ذلك الذل والانكسار بين يدي الله عز وجل، فقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن المراد بذلك فقال: هو ذل بين يدي عزيزٍ.

ومن أسباب الخشوع في الصلاة قطع الحركة والعبث، وملازمة السكون، ولهذا لما رأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة قال: «لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» ([2])، وروى ذلك مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وبعض الناس إذا قام في الصلاة يتململ ويحرك يديه


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (228).

([2])  أخرجه: ابن أبي شيبة في رقم (6787).