والحساب شديد،
والجزاء واقع لا محالة ﴿وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ
ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227].
قال الإمام ابن
القيم رحمه الله: والله سبحانه مع كونه خالق كل شيءٍ، فهو موصوف بالرضا والغضب،
والعطاء والمنع، والخفض والرفع، والرحمة والانتقام.
فاقتضت حكمته سبحانه
أن خلق دارًا لطالبي رضاه، العاملين بطاعته، المؤثرين لأمره، القائمين بمحابه، وهي
الجنة، وجعل فيها كل شيء مرضي، وملأها من كل محبوب ومرغوب ومشتهىً لذيذٍ، وجعل
الخير بحذافيره فيها، وجعلها محل كل طيبٍ من الذوات، والصفات، والأقوال. وخلق
دارًا أخرى لطالبي أسباب غضبه وسخطه، المؤثرين لأغراضهم وحظوظهم على مرضاته، العاملين
بأنواع مخالفته، والقائمين بما يكره من الأعمال والأقوال، والواصفين له بما لا
يليق به، الجاحدين لما أخبرت به رسله من صفات كماله ونعوت جلاله - وهي جهنم،
وأودعها كل مكروه، وسجنها مليء من كل شيء مؤذٍ ومؤلمٍ، وجعل الشرَّ بحذافيره فيها،
وجعلها محل كل خبيثٍ من الذوات، والصفات والأقوال، والأعمال.
فهاتان الداران هما دارا القرار، وخلق دارًا ثالثة هي كالميناء لهاتين الدارين، ومنها يتزود المسافرون إليهما، وهي دار الدنيا، ثم أخرج إليها من آثار الدارين بعض ما اقتضته أعمال أربابهما، وما يستدل به عليهما حتى كأنهما رأي عينٍ، ليصير الإيمان بالدارين -وإن كان غيبًا- وجه شهادةٍ تستأنس به النفوس وتستدل به، فأخرج سبحانه إلى هذه الدار من آثار رحمته من الثمار، والفواكه، والطيبات، والملابس