الفاخرة، والصور
الجميلة، وسائر ملاذ النفوس، ومشتهاها: ما هو نفحة من نفحات الدار التي جعل ذلك كله
فيها على وجه الكمال، فإذا رآه المؤمنون ذكرهم بما هناك من الخير، والسرور، والعيش
الرخي، فشمروا إليه وقالوا: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، وأحدثت لهم رؤيته عزمًا
وهِممًا، وجدًا وتشميرًا؛ لأن النعيم يذكر بالنعيم، والشيء يذكر بجنسه، فإذا رأى
أحدهم ما يعجبه ويروقه، ولا سبيل له إليه قال: موعدك الجنة، وإنما هي عشية أو
ضحاها. فوجود تلك المشهيات، والملذات في هذه الدار رحمة من الله، يسوق بها عباده
المؤمنين إلى تلك الدار التي هي أكمل منها، وزاد لهم من هذه الدار إليها، فهي زاد،
وعبرة، ودليل، وأثر من آثار رحمته التي أودعها تلك الدار، فالمؤمن من يهتز برؤيتها
إلى ما أمامه، ويثير ساكن عزماته إلى تلك، فنفسه ذواقة، إذا ذاقت شيئًا منها تاقت
إلى ما هو أكمل منه حتى تتوق إلى النعيم المقيم في جوار الرب الكريم.
وأخرج سبحانه إلى هذه الدار أيضًا من آثار غضبه، ونقمته من العقوبات، والآلام، والمحن، والمكروهات من الأعيان والصفات: ما يستدل بجنسه على ما في دار الشقاء من ذلك، مع أن ذلك من آثار النفسين في الشتاء والصيف اللذين أذن الله سبحانه بحكمته لجهنم أن تتنفس بهما، فاقتضى ذانك النفسان آثارًا ظهرت في هذه الدار، كانت دليلاً وعبرة عليها، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى، ونبه عليه بقوله في نار الدنيا: ﴿نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ﴾ [الواقعة: 73] تذكرة يذكر بها الآخرة، ومنفعة للنازلين بالقوى، وهم المسافرون؛ يقال: أقوى الرجل: إذا نزل بالقوى، وهي الأرض الخالية، وخص المقوين بالذكر