وجهاد المنافقين
وأصحاب المعاصي والمنكرات. وأكمل الخلق عند الله من كَمَّلَ مراتب الجهاد كلها،
والخلق متفاوتون عند الله في منازلهم، كتفاوتهم في مراتب الجهاد؛ ولهذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وأكرمهم عند الله؛ لأنه كَمَّلَ مراتب الجهاد،
وجاهد في الله حق جهاده منذ أن بعثه الله إلى أن توفاه، فإنه لما أنزل الله عليه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ
١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ ٣ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤﴾ [المدثر: 1- 4] قام ودعا إلى الله
ليلاً ونهارًا، سرًا وجهارًا، ولما نزل عليه: ﴿فَٱصۡدَعۡ
بِمَا تُؤۡمَرُ﴾ [الحجر: 94] صدع بأمر الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولما
أمره الله بقتال الكفار امتثل أمر ربه، فغزاهم بنفسه صلى الله عليه وسلم بضعًا
وعشرين غزوةً، أولها غزوة بدر، وآخرها غزوة تبوك.
وعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من أنواع الجهاد، إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد. والمسلم في هذه الحياة بين ثلاثة أعداء كلها تحتاج إلى جهاد: النفس، والشيطان، وأهل المعاصي من الكفار والمنافقين والفساق، وجهاد النفس هو الأصل والأساس، وما عداه فرع عليه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ فِي ذَاتِ اللهِ» ([1])، «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ» ([2]). فمن لم يجاهد نفسه لتفعل ما أُمِرَتْ به، وتترك ما نُهِيَتْ عنه، لا يمكنه جهاد عدوه في الخارج. وقد سلط على العبد هذه الأعداء الثلاثة ابتلاءً وامتحانًا، وأمر بجهادها، وأعطي مددًا وسلاحًا وعدة لمقابلتها؛ فجهاد النفس يكون
([1]) أخرجه: أحمد رقم (23965)، وابن حبان رقم (4624)، والطبراني في « الكبير » رقم (797).