×
التعليقات على كتاب الفرقان الجزء الثاني

فالحديث القدسي: ما كان من كلام الله سبحانه وتعالى، والحديث النبوي: ما كان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، والأحاديث القدسية كثيرة، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو دون ذلك، وقد صُنِّفت فيها مصنفات، وهذا الحديث من أشهرها؛ أنه تضمن أشياء كثيرة: أول ما تضمن تنزيه الله عز وجل عن الظلم، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والله عز وجل منزَّه عن أن يضع العذاب في غير موضعه، وأن يضع النعيم في غير موضعه، بل إنه سبحانه وتعالى حكيم؛ ﴿يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرۡحَمُ مَن يَشَآءُۖ وَإِلَيۡهِ تُقۡلَبُونَ [العنكبوت: 21]، لكنه لا يعذِّب أحدًا على غير سبب، ولا ينعِّم أحدًا على غير سبب، بل كلٌّ يجازيه الله بعمله.

فهذا بتوفيق الله سبحانه وتعالى، لا بحوله، ولا بقوته، وإنما الله هو الذي وفقه، وهداه. وفي هذا رد على المعتزلة الذين ينكرون خلق الله لأفعال العباد، فإنما الهداية بفضله سبحانه وتعالى؛ يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، لكن الهداية لها أسباب من قبل العبد، يفعلها العبد، والضلال له أسباب من قبل العبد؛ كما قال عز وجل: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ٥وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٦فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ ٧ [الليل: 5- 7]؛ أعطى، واتقى، وصدق بالحسنى، هذه أفعال العبد، وهي سبب لتيسير الله له للحسنى، للجنة، ﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ٨وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٩ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ ١٠ [الليل: 8- 10]، فالعبد هو الذي يسبب لنفسه الشقاء أو السعادة، والله منزَّه عن أن يظلمه ويشقيه بغير سبب، أو يسعده بغير سبب.

وهذا محل الشاهد من هذا الحديث: أن الجزاء إنما يكون على الأعمال، كلٌّ يُجزى بعمله، لا يجزى ولا يؤاخذ بعمل غيره،


الشرح