والعدو من خلفهم ﴿فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا
لَمُدۡرَكُونَ ٦ قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ ٦﴾ [الشعراء: 61، 62]، فأمر الله موسى أن
يضرب بعصاه ذلك البحر الهائج المتلاطم فضربه، فانفتح طرقًا يابسة على قدر القوم،
فسار فيها موسى وقومه، لا يخاف دركًا ولا يخشى، ودخل فرعون وجنوده في أثرهم، فلما
تكامل قوم موسى خارجين من البحر، وتكامل قوم فرعون داخلين فيه؛ أمره الله فانطبق
عليهم، وأغرقهم أجمعين، وهكذا انتصر الحق على الباطل، وصدق الله وعده، وأعز جنده،
وحصل ما أخبر به موسى عليه السلام قومه حين قال لهم: ﴿قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ
فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف: 129]، وتحققت إرادة الله
التي أخبر عنها بقوله: ﴿وَنُرِيدُ
أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ
أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ
وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ
٦﴾ [القصص: 5، 6].
عباد الله: لقد حصل هذا الحدث العظيم في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو يوم عاشوراء، فهو يوم له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، قد صامه موسى عليه الصلاة والسلام شكرًا لله عز وجل، وصامه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، مع صوم يوم قبله أو يوم بعده، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1900)، ومسلم رقم (1130).