أمواجًا متلاطمة، فأغرقهم عن آخرهم، وأصحاب موسى
ينظرون إليهم.
وانظروا يا عباد
الله، إلى مشابهة هذا الموقف من موسى عليه السلام وثقته بنصر الله في أصعب الظروف
وأشد الكروب، بموقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما خرج هو وصاحبه أبو بكر
الصديق رضي الله عنه، واختفيا في الغار، وخرج الكفار في أثرهما للبطش بهما،
والقضاء عليهما، حتى وقفوا عليهما، وقال الصديق عند ذلك: يا رسول الله، لو نظر
أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم واثقًا بنصر الله: «مَا
ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» ([1])، وقد أنزل الله في
ذلك قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ
فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ
إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ
مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ
تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ
هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 40]. إنه نصر الله يأتي
مع الصبر، وفرجه يأتي مع الكرب، ويسره يأتي مع العسر، كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ
الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» ([2]).
ونستفيد من هذه القصة عبرة أخرى: وهي أن الباطل مهما ارتفع بالقوة المادية فإنه لا يبقى أمام الحق إذا قام به أهله وصبروا عليه، فهذا طاغية جبار معه قوة الرجال والسلاح، ورهبة السلطان والملك، خرج في طلب جماعة قليلة العدد والعدة، لكن معهم الله، ثم معهم قوة
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3453)، ومسلم رقم (2381).