أفيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أُكْرِم
بها، ونسي ما صنع الله بمحمد صلى الله عليه وسلم حين شد على بطنه الحجر. والله ما
أحد من الناس بسط له في الدنيا فلم يخف أن يكون قد مكر به، إلا كان قد نقص عقله
وعجز رأيه.
عباد الله: إن ذم الدنيا لا
ينصرف إلى ما خلق الله فيها من المنافع والمآكل والمشارب والأموال، وإنما ينصرف
الذم والوعيد إلى تصرفات بني آدم فيها، فمن افتخر بها، وأعجب بها، وشغلته عن طاعة
الله، وأنسته الآخرة - فهذا هو المذموم المعاقب، كحالة عاد لما خوفهم نبي الله هود
عليه السلام من عقوبة الله: ﴿فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ
أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ﴾ [فصلت: 15]، وكحالة فرعون لما أنذره نبي الله موسى: ﴿قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ
لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا
تُبۡصِرُونَ﴾ [الزخرف: 51]، وكحالة قارون لما آتاه الله الكنوز ﴿إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ
وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ
أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا
يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ ٧٦ وَٱبۡتَغِ فِيمَآ
ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ
وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي
ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٧٧ قَالَ
إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَ لَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ
قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسَۡٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٧٨﴾ [القصص: 76- 78] أي: بسبب حذقي
ومعرفتي، أو لأني أستحقه، فالذي ينظر إلى الدنيا حين يتحصل على شيء منها بهذا المنظار،
وتحمله على التكبر والإفساد في الأرض، وينسى الآخرة، فهو مذموم معاقب.