عباد الله: وقد ابتلي كثير من الناس في هذا الزمان بالتلاوم والتواكل، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يؤد كل منهم ما يجب عليه نحوه، وصار كل واحد يلقي بالمسئولية على غيره ويبرئ نفسه، حتى إن صاحب البيت يرى المنكرات في بيته ويرى أولاده يتركون الصلاة ولا يحضرون الجمع والجماعات، ولا ينكر! مع أن له السلطة على بيته، وبيده قدرة على من فيه، لكنه ينظر إلى الآخرين، وينسى أنه مسئول أمام الله عن رعيته الخاصة «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ([1]). ولربما فُقدت مراتب الإنكار كلها عند بعض الناس، فلا إنكار باليد ولا باللسان ولا بالقلب، فيحصل الانسجام التام مع أهل المعاصي وتصبح المعاصي مألوفة عادية، وهذا أمر شنيع قد لعن الله بني إسرائيل بسببه، قال تعالى: ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ٧٨ كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٧٩﴾ [المائدة: 78، 79]. وفي المسند والسنن عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي فَنَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ، ﴿عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ﴾ [المائدة: 78] »، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا فجلس فقال: «لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا» ([2]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (853)، ومسلم رقم (1829).