فإذا كان الناس على خطأ، فعلى الإنسان أن يلزم
نفسه طريق الصواب، ويدعو الناس إليه، ولا يتابعهم على ما هم عليه وهو يعلم أنه خطأ
وهلاك، بل يثبت على الحق ولو بقي عليه وحده، كما أمر الله سبحانه عندما يكون هناك فريقان
من الناس: فريق على الباطل ومعهم شيء من زهرة الحياة الدنيا من الغنى والجاه وغير
ذلك، وفريق على الحق وليس معهم من زهرة الدنيا شيء: أن نكون مع أهل الحق ونصبر على
ضيق المعيشة وفقدان زهرة الحياة الدنيا: قال تعالى: ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ
وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ
زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن
ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا﴾ [الكهف: 28]. وذلك نظرًا للعواقب لا إلى الدنيا العاجلة
والزينة الزائلة.
كما أخبر سبحانه أن
العاقبة الطيبة والنعيم في الدار الآخرة إنما يحصلان لمن أحسن رعاية نفسه في
الحياة الدنيا، فاستعملها في الخير وكفها عن الشر؛ قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ٣٧ وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ٣٨ فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ
ٱلۡمَأۡوَىٰ ٣٩ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ
ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤﴾ [النازعات: 37- 41].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ» ([1]). فبين صلى الله عليه وسلم أن الحازم هو الذي يحاسب نفسه على عملها في هذه الدنيا، فيلزمها بفعل الطاعات وترك المحرمات والتوبة من السيئات، وأن العاجز هو الذي يترك نفسه ويهملها تأخذ ما تشتهي من المحرمات، ثم يرجو النجاة وهو لم يأخذ بأسبابها، وإنما أخذ بأسباب الهلاك.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2459)، وابن ماجه رقم (4260)، وأحمد رقم (17123).