حيث أذن الله لها بنفسٍ في الصيف ونفسٍ في
الشتاء، وفي ذلك أعظم عبرةٍ. ومن أمثلة ذلك نار الدنيا، فإنها تذكر -بحرها
وإحراقها وآلامها- بنار الآخرة، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى ونبه عليه بقوله: ﴿أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلنَّارَ
ٱلَّتِي تُورُونَ ٧١ ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ
شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشُِٔونَ ٧٢ نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ ٧﴾ [الواقعة: 71- 73]. فأخبر سبحانه أنه
جعل نار الدنيا لفائدتين عظيمتين:
الأولى: أنه يُذِّكر بها
عباده نار الآخرة حتى يخافوا منها، ويجتنبوا الأعمال الموصلة إليها.
والثانية: أنها تنفع المقوين؛ وهم المسافرون؛ سُمُّوا بالمقوين؛ لأنهم ينزلون بالقوى، وهي الأرض الخالية. قال الإمام ابن القيم: وخصَّ المقوين بالذكر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين تنبيهًا لعباده على أنهم كلهم مسافرون، وأنهم في هذه الدار على جناح سفرٍ ليسوا مقيمين ولا مستوطنين، والمقصود أنه سبحانه أشهدَ في هذه الدار ما أعدَّ لأوليائه وأعدائه في دار القرار، وأخرج إلى هذه الدار من آثار رحمته وعقوبته ما هو عبرة ودلالة على ما هناك من خيرٍ وشرٍ، وقد جعل سبحانه هذه الدنيا دار اختلاطٍ وامتزاجٍ، يختلط فيها الأخيار بالأشرار، والمؤمنون بالفجار، وابتلاً وامتحانًا؛ ليحصل بذلك الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً﴾ [الفرقان: 20]، ﴿لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ﴾ [محمد: 4]، وجعل الدار الآخرة دار تمايز وافتراقٍ، وقال تعالى: ﴿وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوۡمَئِذٖ يَتَفَرَّقُونَ ١ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَهُمۡ فِي رَوۡضَةٖ يُحۡبَرُونَ ١٥ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَلِقَآيِٕ ٱلۡأٓخِرَةِ فَأُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡعَذَابِ مُحۡضَرُونَ ١٦﴾ [الروم: 14- 16]. كثير من الناس تعلقت همته