محبة جميع الخلق،
ومحبة الرسول تابعة لمحبة الله، ومن أحب الله ورسوله حقًا قدم طاعتهما على هوى
نفسه، وملذاتها من الأموال، والأولاد، والأوطان، إذا كانت هذه الأشياء تتعارض مع
محبة الله ورسوله؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ
إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ
وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا
وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ
وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ
وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
ولذلك ترك المهاجرون
أوطانهم، وأموالهم، لما كان البقاء فيها يتعارض مع طاعة الله ورسوله؛ قال تعالى: ﴿لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ
ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ
ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ﴾ [الحشر: 8]. فنالوا رضا الله
تعالى بسبب ذلك، وعوضهم خيرًا مما تركوا؛ قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ
هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ
ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٥٨ لَيُدۡخِلَنَّهُم
مُّدۡخَلٗا يَرۡضَوۡنَهُۥۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٞ ٥٩﴾ [الحج: 58، 59].
ومَنْ آثر محبة الله
على هوى نفسه فقدم ما يحبه الله على ما يحبه هو، فقد وجد حلاوة الإيمان؛ ففي
الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ
بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِْيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ
مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلهِ، وَأَنْ
يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا
يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» ([1]).
وجميع المعاصي إنما تنشأ عن تقديم هوى النفس على محبة الله
([1]) أخرجه: البخاري رقم (16)، ومسلم رقم (43).