رابعًا: أن الثواب والعقاب
في الدنيا والآخرة لا يثبتان إلا بنصٍ من كتاب الله وسنة رسوله، وهذا المفتري في
هذه الوصية جعل الثواب لمن صدقها والعقاب لمن كذب بها ولم ينشرها، وقد فضحه الله
والحمد لله؛ فكثيرٌ من المسلمين كذبوها وبينوا زيفها ولم يحصل لهم إلا الخير،
والذين صدقوها، ونشروها لم يحصل لهم إلا الخيبة والخسارة.
ثم إن هذا المفتري
أراد أن يوهم العوام والجهال بصدق هذه الوصية، فحلف بالله أيمانًا مكررةً أنه
صادق، وأنها حقيقة، وأنه إن كان كاذبًا يخرج من الدنيا على غير الإسلام، وأراد أن
يتظاهر بحب الإسلام، وبغضه للمعاصي والمنكرات، حتى يحسن به الظن ويُصدَّق.
وهذا من مكره وخبثه، بل من غباوته وجهله، فإن
الحلف، وكثرة الأيمان لا تدل على صدق كل حالفٍ؛ فكثيرٌ من الكذابين يحلفون للتغرير
بالناس، فهذا إبليس حلف للأبوين عليهما السلام: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ َ﴾ [الأعراف: 21]. والله تعالى قال لنبيه ﴿وَلَا
تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ﴾ [القلم: 10]،
وأخبر أن المنافقين يحلفون على الكذب وهم يعلمون، ويقول عنهم: ﴿وَلَيَحۡلِفُنَّ
إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾ [التوبة: 107]. فهل يظن هذا الغبي الأحمق
أنه إذا افترى الكذب على الله ورسوله في هذه الوصية، وحلف في آخرها أن المسلمين
سيصدقونه، ويقبلون أقواله؟! حاشا وكلا، وأما تظاهره بالغيرة على الدين والتألم من
المنكرات، فهو من التغرير الذي يقصد من ورائه أن يحسن الناس به الظن ويقبلوا قوله،
ولم يدر أن فرعون اللعين تظاهر لقومه بالنصح والشفقة حينما قال لهم يحذرهم من
اتباع موسى عليه السلام: ﴿إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن
يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ﴾ [غافر:
26]. فما كل من تظاهر بالمناصحة والغيرة يكون صادقًا