ولهذا قال بعض
العلماء: الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطائر، وتم طيرانه، وإذا
نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت. وقال بعضهم: القلب في
سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر: فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى
أسلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد
الجناحان فهو عرضة لكل صائدٍ وكاسرٍ.
وقد وصف الله سبحانه
أنبياءه والصالحين من عباده أنهم يجمعون بين الخوف والرجاء؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ
يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ
لَنَا خَٰشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90]، وقال تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ
يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ
وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ
مَحۡذُورٗا﴾ [الإسراء: 57].
وابتغاء الوسيلة
إليه: هو طلب القرب منه بالعبودية والمحبة، فذكر أنهم تحلوا بمقامات الإيمان
الثلاثة التي عليها بناؤه وهي: الحب، والخوف، والرجاء، فإن من أحب الله تقرب إليه،
ومن رجاه أطاعه، ومن خافه ترك معصيته؛ وبذلك يكون قد اتخذ الأسباب الجالبة للثواب،
والمنجية من العقاب، فأهل المعرفة بالله هم الذين يعملون بطاعة الله ويخافون الله؛
قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٥٧ وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِ
رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ٥٨ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ ٥٩ وَٱلَّذِينَ
يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ
رَٰجِعُونَ ٦ أُوْلَٰٓئِكَ
يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ ٦﴾ [المؤمنون: 57- 61].
روى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، قول الله: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ﴾ [المؤمنون: 60]،