وكانت هذه المسألة قد اشتبهت على طائفة من
الصوفية، فبينها الجنيد رحمه الله، من اتبع الجنيد فيها كان على السداد، ومن خالفه
ضل؛ لأنهم تكلموا في أن الأمور كلها بمشيئة الله وقدرته، وفي شهود هذا التوحيد
وهذا يسمونه الجمع الأول، فبين لهم الجنيد أنه لا بد من شهود الفرق الثاني، وهو
أنه مع شهود كون الأشياء كلها مشتركة في مشيئة الله وقدرته وخلقه ،
****
وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا ٢٨﴾ [النساء: 27- 28]، هذه إرادة شرعية، وهذه الإرادة
الكونية ليس من لازمها المحبة، فقد يريد الله شيئًا، وهو لا يحبه، لكن لحكمة
وللابتلاء وللامتحان، وأما الشرعية، فإنه يحبها: ﴿إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا
يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ﴾ [الزمر: 7]، فالإرادة الشرعية يحبها الله، وأما الإرادة
الكونية، فقد يحبها، وقد لا يحبها، هذا فرق.
الفرق
الثاني: الإرادة الكونية، لا بد من وقوعها، وأما الإرادة
الشرعية، فقد تقع، وقد لا تقع، فالله أراد من عباده الإيمان، فبعضهم يؤمن، وبعضهم
لا يؤمن، أراد منهم الإيمان الإرادة الشرعية، لكن بعضهم يؤمن، وبعضهم لا يؤمن، قد
تقع، وقد لا تقع، بخلاف الكونية؛ لا بد من وقوعها.
الجنيد - كما سبق - من الصالحين، ومن العباد،
والزهاد، ولم يحصل منه شطحات؛ مثل ما حصل من الصوفية المتأخرين.
يقولون:
لا يوجد إلاَّ مشيئة الله وقدرة الله، والذي يعرف هذا هو
الموحِّد، ويجحدون الإرادة الكونية والأوامر الشرعية، فهم يفسرون الطاعة بأنها
موافقة القدر؛ لأن أهل العلم وأهل الإيمان