فأمره تعالى أن يختم عمله بالتسبيح والاستغفار. وفي
الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول فِي
رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِي» يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ ([1]) .
****
بعدما نزلت عليه هذه السورة ﴿فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ﴾ [النصر: 3] كان في سجوده وركوعه يقول هذا الدعاء: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ؛ يعني: يفسر القرآن، يفسر هذه السورة؛ لأن التأويل في الأصل يراد به: التفسير، هذا المعروف، عند السلف، التأويل: يراد به التفسير، ويراد به ما يؤول إليه الأمر في المستقبل: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ﴾ [الأعراف: 53]، لما رأوا مآل الأمور في الآخرة - هذا هو التأويل في المعنى الثاني - ما يؤول إليه الأمر في النهاية، وقال يوسف عليه السلام: ﴿هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ﴾ [يوسف: 100] تأويلها: ما حصل من سجود أبويه وإخوته له: ﴿إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا﴾ [يوسف: 4]، هذا في أول عمره، ﴿رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ﴾ [يوسف: 4]، ما جاء تأويل هذه الرؤية إلاَّ في آخر عمره صلى الله عليه وسلم: ﴿وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ﴾ [يوسف: 100]، فالتأويل يراد به معنيان: التفسير، أو ما يؤول إليه الأمر في النهاية، أما التأويل الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فهذا تأويل محدَث، لكن إذا كان بدليل، فلا بأس، وهذا يسمى تخصيصًا
([1]) أخرجه: البخاري رقم (817)، ومسلم رقم (484).