وهذا لا ينافي قوله: ﴿كُلُواْ
وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: 24] ؛
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى باء المقابلة والمعادلة، والقرآن أثبت باء
السبب .
****
لما دخل الجنة، ولصار من أهل النار، لكن الله برحمته
أدخله الجنة؛ فلا يغتر الإنسان بعمله، أو يثق من عمله، ولهذا قال صلى الله عليه
وسلم: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا
مِنْكُمْ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ
اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ»، وأما قوله عز وجل: ﴿ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ
بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾
[النحل: 32]، فالباء باء السببية، وليست باء العوض؛ لأن العمل ليس ثمنًا للجنة،
مهما بلغ فالجنة أعظم من ذلك، هذا من ناحية، الناحية الثانية: أن العمل
يعتريه نقص كثير وخلل كثير؛ فالإنسان لا يزكي نفسه، ولكن لا يقنط من رحمة الله عز
وجل، ولا يترك الأعمال، ويقول: إن كان الله كاتبًا لي الجنة، سأدخل، وإن كان لم
يكتبها، لو عملت، فليس بحاصل. هذا لا يجوز - والعياذ بالله -، بل يفعل السبب - وهو
العمل الصالح -، الذي لا يعمل هذا، لا يدخل الجنة، أما الذي يعمل، فهذا يدخلها
برحمة الله سبحانه وتعالى، الجنة لا تدخل إلاَّ بعمل صالح.
فهذا
دليل على أن الإنسان لا يزكي نفسه، ولا يغتر بعمله، بل يعد نفسه مقصرًا؛ فيستغفر
الله، ويتوب إلى الله من هذا التقصير، أما إذا أعجب بعمله، واستكثر عمله، فإنه لن
يستغفر، ولن يتوب.
﴿بِمَآ
أَسۡلَفۡتُمۡ﴾؛ ظاهره يدل على أن الجنة تدخل
بالعمل الصالح، وأن الباء باء العوض، وليست كذلك، ليست باء العوض، وإنما هي باء
السبب فقط. ونفي باء المقابلة - يعني: باء العوض