×
التعليقات على كتاب الفرقان الجزء الثاني

وأفضل القضاة العالمين العادلين: سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه في «الصحيحين» أنه قال: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» ([1]) .

****

 هذه مسألة عظيمة، وهي أن القاضي يقضي في الظاهر على نحو ما يسمع، وأما في الباطن، فحكمه إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا اجتهد القاضي، وحكم بناء على الظاهر، وفي الباطن الحكم خطأ، فهذا اختلفوا فيه: هل حكم الحاكم يحل له ما قضى له به، أو لا يحله له؟ الصحيح: أنه لا يحله له، حكم الحاكم لا يحل الحرام، ولا يحرم الحلال في الباطن، بل تعاد الخصومات يوم القيامة، ويقضي الله بين الناس، فمن علم من الخصوم أنه مخطئ في دعواه أو مزوِّر في بيِّنته، فإنه يجب عليه التوبة إلى الله ورد الحق إلى أهله، ولا يأخذه. هذا القاضي يحكم، لا يعلم الغيب، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، هو يقضي على نحو ما يسمع للبينة بالشهود، يقضي بالشهود، وربما يكون أحد الخصوم عنده بلاغة وفصاحة، فيزوِّر الحجة، والآخر مسكين، ليس عنده فصاحة ولا بلاغة، وهو المحق، لكن ليس عنده لسان، ولا قوة بيان، فيتغلب عليه الفصيح البليغ، والقاضي يحكم على نحو ما يسمع؛ لأنه لا يعلم الحقائق الباطنة، ما يعلمها إلاَّ الله، فلا يسوغ لمن حكم له بظلم أن يأخذه، ويقول: هذا قضى لي القاضي فيه؛


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (2680)، ومسلم رقم (1713).