فقد أخبر سيد
الخلق أنه إذا قضى بشيء مما سمعه، وكان في الباطن بخلاف ذلك، لم يجز للمقضي له أن
يأخذ ما قضي به له، وأنه إنما يقطع له به قطعة من النار . وهذا متفق عليه بين
العلماء في الأملاك المطلقة إذا حكم الحاكم بما ظنه حجة شرعيةً كالبينة والإقرار،
وكان الباطن بخلاف الظاهر، لم يجز للمقضي له أن يأخذ ما قضي به له بالاتفاق .
****
بل
عليه أن يرده: «فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ
قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره من
القضاة؟! بعض الناس يقول: إذا حكم القاضي، هذا حق، وهو يعلم أنه كذَّاب،
وأنه مزوِّر، وأنه...، ويريد حكم الحاكم أن يسوغ له الشيء هذا، هذا لا يجوز، حكم الحاكم
لا يقلب الباطل إلى حق، الباطل هو الباطل.
فليحذر
الخصوم أن يأخذوا حقوق الناس بحكم الحاكم، وهم يعلمون أنهم مبطلون، وليحذر أيضًا
المحامون الذين يحامون الخصوم، ويفتحون مكاتب محاماة أن يخاصموا بالباطل، وأن
يزوروا، وأن يقلبوا الحقائق على القاضي، ليحذروا من هذا، قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَكُن
لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا﴾
[النساء: 105]، فلا يجوز للإنسان أن يتوكل، أو يحامي في قضية يعلم أنها باطلة، لا
يجوز له ذلك.
بإجماع أهل العلم لا يحل له ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» ([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2680)، ومسلم رقم (1713).