وأما لفظ التحريم، فقال في الكوني: ﴿وَحَرَّمۡنَا
عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ﴾ [القصص: 12]، وقال تعالى: ﴿قَالَ
فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [المائدة: 26] ،
****
حرموا
ما أحل الله - والعياذ بالله -، الشاهد من قوله: ﴿مَا جَعَلَ ٱللَّهُ﴾
[المائدة: 103]؛ أي: ما شرع الله ذلك، وإنما هذا من الكفار.
«حرمنا»
أي: منعنا، التحريم معناه: المنع، فالله منع موسى أن يرضع من امرأة لأجل
ماذا؟ لأجل أن يرده إلى أمه، لما خافوا عليه الهلاك، ولم يرضع من امرأة، لم يقبل
ثديها أبدًا، عرضوا عليه المراضع، لم يقبل ثديها؛ لأن الله منعه، «حرم عليه» يعني: منعه؛ لأجل أن يرده إلى
أمه؛ كي تقر عينها.
فالشاهد
قوله: ﴿وَحَرَّمۡنَا﴾
[القصص: 12]؛ يعني: منعناه من الرضاع، هذا منع كوني، وإلا فالرضاع حلال في الشرع،
ولكن الله منعه كونًا وقدرًا.
لما
أبى بنو إسرائيل أن يدخلوا بيت المقدس؛ لأن فيه جبابرة، وهم جبناء لا يستطيعون
مقابلة الجبابرة، في النهاية قالوا: ﴿فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا
قَٰعِدُونَ﴾ [المائدة: 24]، فعند ذلك
قال موسى عليه السلام: ﴿قَالَ
رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ
ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾
[المائدة: 25]، أنزل الله عليهم العقوبة، فقال: ﴿فَإِنَّهَا
مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ﴾ [المائدة: 26]؛ أي دخولها ﴿أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ
فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [المائدة: 26]، لا يأوون
إلى مبانٍ وإلى بلاد، وإنما يكونون في البرية يتيهون، يذهبون، ويجيئون؛ عقوبة لهم،
إلى أن أنشأ الله جيلاً بعدهم شجعانًا، فدخلوا بيت المقدس، وهزموا المشركين،
وطردوهم منه.