وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا عَلَيَّ
مِنَ الصَّلاَةِ يَوْم الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ
مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا
عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ - أي: بَلِيتَ - فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى
الأَْرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الأَْنْبِيَاءِ» ([1])، وَقَدْ قَالَ
اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ عليه السلام:
﴿وَقَالُواْ
لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ
السَّلَفِ: «هَؤُلاءِ قَوْمٌ كَانُوا صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا
مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ، ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ
فَعَبَدُوهُمْ» ،
****
وهذا
تعليل آخر، التعليل الأول: أنه يبلغ الصلاة والسلام عليه، والتعليل
الآخر: أنه صلى الله عليه وسلم لا تأكله الأرض كما تأكل أجساد الناس، أجساد
الأنبياء لا تأكلها الأرض، هذه ميزة لهم عن غيرهم.
الله ذكر عن قوم نوح أنه لما نهاهم عليه السلام عن عبادة الصالحين، وأمرهم بعبادة الله وحده، تواصوا، وقالوا: ﴿لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ﴾، ما هذه الآلهة؟ ﴿وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾، هذه أسماء رجال صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا، صوروا صورهم، ونصبوها، فزين لهم الشيطان عبادتها، فعبدوها، فهذا فيه أن الغلو في القبور قديم، وأن الغلو في الصالحين قديم من عهد قوم نوح، والشيطان يدعو إليه، فيجب الحذر من هذا، وقالوا مثل هذا للرسول صلى الله عليه وسلم، لما قال لهم: قولوا: لا إله إلاَّ الله، قالوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ ٥وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (1047).