بَل قد آلَ الأَمر بهَؤلاءِ إِلَى أَن سوُّوا الله
بِكُل مَوْجُود، وَجعلُوا مَا يسْتَحقَّهُ من العِبَادَة وَالطَّاعَة حَقًّا لكل
مَوْجُود؛ إِذْ جَعَلُوهُ هُوَ وجودَ المَخْلُوقَات، وَهَذَا من أعظم الكفْر
والإلحاد بِرَبِّ العبَاد.
وَهَؤُلاَء يصل
بهم الكُفْر إِلَى أَنَّهم لاَ يشْهدُونَ أَنهم عباد لاَ بِمَعْنى أَنهم معبَّدون،
وَلاَ بِمَعْنى أنهم عَابِدُونَ؛ إِذْ يشْهدُونَ أنفسهم هِيَ الحق،
****
قولُه:
«فمن شهد «الحقيقة الكونية» دون «الدينية»...»: أي: من أثبتَ القضاءَ
والقدَرَ ونَفَى الشَّرعَ فقد سَوَّى بينَ الكُفرِ والإيمانِ والمؤمنين
والكفارِ،ولمْ يُفرِّقْ بينهما، وأمَّا مَن أثبتَ القضاءَ والقدَرَ وأثبتَ الشرعَ
فإنَّه يُفرِّقُ بينَ المُؤمنِ والكَافر، والمُطيعِ والعَاصي والبَرِّ والفَاجِر،
فيُفرِّقُ بينَ المُتَضَادات والمُتَنَاقَضَات فيَحْتَجُّ بالقَضاءِ على المَصائبِ
ويتوبُ من الذُّنوبِ والمصائب.
قولُه:
«حتى يؤول به الأمر إلى أن يسوي الله
بالأصنام»: فالمشركون سوَّوا بينَ اللهِ وبينَ الأصنامِ حينما عبدُوها
وعدَلوها باللهِ سبحانه وتعالى؛ ولذلك في الآخرةِ يَندَمون على ذلك فيقولون: ﴿تَٱللَّهِ إِن
كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٩٧إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٨ وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلَّا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٩٩﴾ [الشعراء: 97- 99]. فإذا وقَفُوا على جزائِهم، عرَفوا
أنَّهم أخطئوا في الدُّنيا حيثُ عبَدُوا مع اللهِ غيرَه، وسَوَّوا المخلوقَ
بالخَالِق.
قَولُه:
«بَل قَد آلَ الأمْرُ بِهؤلاءِ إِلى أنْ
سَوُّوا اللهَ بِكلِّ مَوجود»، هَؤُلاء هُم غُلاةُ الصُّوفِيةِ؛ كابنِ عَرَبِي
وَأتبَاعِهِ أهْلِ وَحدةِ الوُجودِ، فَهم يَقولُون: لاَ تَفريقَ فِي الكَونِ بينَ
خَالقٍ وَمخلُوقٍ، كُلُّه سَواءٌ، كُلُّ الكَونِ هُو اللهُ.
الصفحة 2 / 397