وَمَنْ خَضَعَ لِإِنْسَانِ مَعَ بُغْضِهِ لَهُ لاَ
يَكُونُ عَابِدًا لَهُ، وَلَوْ أَحَبَّ شَيْئًا وَلَمْ يَخْضَعْ لَهُ لَمْ يَكُنْ
عَابِدًا لَهُ، كَمَا قَدْ يُحِبُّ وَلَدَهُ وَصَدِيقَةُ، وَلِهَذَا لاَ يَكْفِي
أَحَدُهُمَا فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللهُ
أَحَبَّ إلَى الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنْ يَكُونَ اللهُ أَعْظَمَ
عِنْدَهُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ لاَ يَسْتَحِقُّ الْمَحَبَّةَ وَالذُّلَّ
التَّامَّ إِلاَّ اللهُ. وَكُلُّ مَا أُحِبَّ لِغَيْرِ اللهِ فَمَحَبَّتُهُ
فَاسِدَةٌ، وَمَا عظُّمَ بغيْرِ أَمْرِ اللهِ كَانَ تَعْظِيمُهُ بَاطِلاً، قَال
الله تَعَالى: ﴿قُلۡ إِن كَانَ
ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ
وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ
تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي
سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ﴾ [التوبة: 24]
****
·
شرحُ
تعريفِ العبادة:
قوله: «وَمَنْ خَضَعَ لِإِنْسَانِ مَعَ بُغْضِهِ لَهُ لاَ يَكُونُ عَابِدًا لَهُ»:
كما يخضَعُ الإنسانُ للظَّلَمةِ والجبابرةِ خوفًا منهم.
قوله:
«وَلَوْ أَحَبَّ شَيْئًا وَلَمْ يَخْضَعْ
لَهُ لَمْ يَكُنْ عَابِدًا لَهُ»: كذلك من أحَبَّ شيئًا ولم يخضَعْ له لم
يكُنْ عابدًا؛ فالمحبةُ وحدها لا تكونُ عبادة، والذُّلُّ وحده لا يكونُ عبادة، بل
لا بُدَّ من اجتماعِ الأمرين: غايةِ الذُّل، مع غايةِ الحُبِّ.
ولهذا
قال: «وَلِهَذَا
لاَ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى»: لا يَكْفِي الذُّلُّ
فقط، أو الحُبُّ فقط في عبادةِ الله، بل لا بُدَّ أن يجتَمِعا.
قال
تعالى: ﴿قُلۡ
إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ
وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا
وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ
الصفحة 1 / 397