فصل
إِذَا تَبَيَّنَ
ذَلِك فَمَعْلُومٌ أََنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الْبَاب يتفاضلون تفاضلاً عَظِيمًا،
وَهُوَ تَفَاضُلُهُم فِي حَقِيقَةِ الإِْيمَانِ وهم يَنْقَسِمُونَ فِيهِ إِلَى
عَامٍّ وَخَاصٍّ، وَلِهَذَا كَانَتْ رُبُوبيَّةُ الرَّبِّ لَهُم فِيهَا عُمُومٌ
وَخُصُوصٌ وَضُرُوبٌ. وَلِهَذَا كَانَ الشِّرْكُ فِي هَذِه الأْمَّةِ أَخْفَى مِنْ
دَبِيبِ النَّمْلِ.
****
قَوْلُهُ: «إذا تبيَّن ذلك»: يَعْنِي الَّذي سَبَقَ من أنَّه لا يَخْرُجُ أَحَدٌ
عن عبوديَّته لله مهما بَلَغَ مِنَ الفَضْلِ والمَكَانَةِ.
قَوْلُهُ:
«فَمَعْلُومٌ أَنَّ هذا البَابَ
يَتَفَاضَلُونَ فيه تفاضلاً عظيمًا»: أي: في العبوديَّة لَيْسُوا على حَدٍّ
سَوَاءٍ؛ فَهُمْ يَتَفَاضَلُونَ في الإيمان، ويَتَفَاضَلُونَ في العبوديَّة،
ويتفاضلون في الأَعْمَالِ الصَّالحة، ويتفاضلون في الجَزَاءِ «تفاضلاً عظيمًا».
قوله:
«وهو تَفَاضُلُهُم في حقيقة الإيمان»:
أي: تَفَاضُلُهُم في العبوديَّة هو بِسَبَبِ تَفَاضُلِهِم في حقيقة الإيمان؛ لأنَّ
العُبُودِيَّةَ مِنَ الإيمَان؛ فالأَعْمَالُ مِنَ الإيمان، وَكُلَّمَا كَثُرَتِ
الأَعْمَالُ الصَّالحة، قَوِيَ الإيمَانُ، وَكُلَّمَا نَقَصَتْ، نَقَصَ الإيمَانُ.
وَلِهَذَا
يَقُولُ أَهْلُ العِلْمِ: الإيمَانُ قَوْلٌ باللِّسَانِ،
وَاعْتِقَادٌ بالقَلْبِ، وَعَمَلٌ بالجَوَارِحِ، يَزِيدُ بالطَّاعَة، وَيَنْقُصُ
بالمَعْصِيَةِ؛ فالمُؤْمِنُونَ يَتَفَاضَلُونَ في الإيمان بِنَاءً على ذلك،
لَيْسُوا على حَدٍّ سواء، وفي هذا رَدٌّ على المُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ:
الإيمَانُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ليس فِيهِ تَفَاضُلٌ؛
الصفحة 1 / 397