فَإِنَّ دَعْوَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ لله مِنْ
جِنْسِ دَعْوَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمحبَّةَ لله، بَلْ قد تَكُونُ دَعْوَى
هَؤُلاَءِ شرًّا مِنْ دَعْوَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ لِمَا فِيهِم من
النِّفَاقِ الَّذِي هم بِهِ فِي الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ،
****
قال
اللهُ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ
بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ
لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ
عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54].
فَلِكَوْنِهِم يحبُّون الله، جَاهَدُوا في سَبِيلِهِ؛ لإزالة ما يَكْرَهُهُ اللهُ
وَيُبْغِضُهُ، وقدَّموا أنفسهم وأموالهم في سبيل ذلك، وهذا دَلِيلُ صِدْقِ
محبَّتهم لله.
قوله:
«فَإِنَّ دَعْوَى هَذِهِ المحَبَّةَ للهِ
مِنْ جِنْسِ دَعْوَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى المحَبَّةَ للهِ»: اليَهُودُ
والنَّصَارَى يَقُولُونَ: ﴿نَحۡنُ أَبۡنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥۚ﴾ [المائدة: 18]، مع أنَّهم يَكْفُرُونَ بالله، وَيَكْفُرُونَ
بِرُسُلِهِ، وَيَقْتُلُونَ الأنبياء، فأين محبَّتهم لله عز وجل ؟
فَرَدَّ
اللهُ عَلَى اليَهُودِ والنَّصَارَى بما عِنْدَهُم من الكفر والشِّرك ومعاداة
أولياء الله وَقَتْلِهِم لبعض الأنبياء، فأين محبَّتهم لله؟ فالَّذي يُحِبُّ الله،
يُحِبُّ ما يُحِبُّهُ الله، وَيُبْغِضُ ما يُبْغِضُهُ الله، وَيُجَاهِدُ في سبيل
الله. أين هذا مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى؟ يَقُولونَ: نَحْنُ نُحِبُّ الله، ثمَّ
يقولون: الله ثالث ثلاثة. تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ.
قوله:
«بَلْ قَدْ تَكُونُ دَعْوَى هَؤُلاَءِ
شَرًّا مِنْ دَعْوَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»: أي: دَعْوَى الصُّوفيَّة
الَّذين يَزْعُمُونَ أنَّهم يحبُّون الله، ويقولون: كُلُّ مَا أَرَادَهُ الله فهو
يحبُّه. فَيَقْتَرِفُونَ المعاصي والذُّنوب،
الصفحة 1 / 397