×
شرح كتاب العبودية

وَمن هَؤُلاَءِ طَائِفَة هم أعلاهم عِنْدهم قدرًا، وَهُم مستمسكون بالدَّين فِي أَدَاء الفَرَائِض المَشْهُورَة، وَاجْتنَاب المُحرمَات المَشْهُورَة، لَكِن يغلطون في ترك مَا أمروا بِهِ من الأَسْبَاب التي هِيَ عبَادَة، ظانِّين أَن العَارِف إِذا شهد «القدر» أعرض عَن ذَلِك، مثل من يَجْعَل التَّوَكُّل مِنْهُم أَو الدُّعَاء وَنَحْو ذَلِك من مقامات العَامَّة دون الخَاصَّة، بِنَاءً على أَن من شهد القدر علم أَن مَا قدر سَيكون، فَلاَ حَاجَة إِلَى ذَلِك، وَهَذَا غلط عظيم..

****

  أي: مِن الصُّوفِيَّة تَأتي بِالعُبوديَّة مِن أوَامر وَنَواهِي، فَتجْتَنب النَّواهِي المَنهِيَّات والمَعاصِي، وَتفعَل الوَاجبَات وَتمتَثِل الأوَامِر، وَهذِه أَخفُّ مِمَّن يَتركُ الشَّريعَة وَيأخُذ بالحَقيقَة.

ولكِنَّها تَرى أنَّه لا قِيمَة للأسْبَاب؛ ولِذََلك يَقولُون: إِنَّ الدُّعاء لا فَائدَة فِيه، فَهُم يُلغُون الأسْبَاب التِي أمَرَ اللهُ بِها، وَهذا ضَلالٌ؛ لأنَّ اللهَ جل وعلا أمَرَ باتِّخاذِ الأسْبَاب، وَلا تَنَافي بَين اتِّخاذِ الأسْبَاب وبَيْن الإيمَان بِالقَدر؛ لأنَّ الذِينَ قَبلَهم قَالُوا: إنَّ الشَّريعَة تُعارِض القَدَر، وَهؤلاءِ قَالُوا: الشَّريعة لا تُعارِض القَدَر، وَلكنَّ الأَخذَ بِالأسْباب يعَارِض القَدرَ، فَلا فَائِدة مِن اتِّخاذ الأسْباب.

وَهذا ضَلالٌ بِلا شَكٍّ؛ لأنَّ اللهَ أمَر بِاتِّخاذ الأسْباب مَع فِعلِ العِبادَة، وَلا تَعَارُض بَينَهما، فَجعْلُ الدُّعاءِ سَببًا، والاسْتِعَانَة بِاللهِ سَببًا، والتَّوكُّلِ عَلى الله سَببًا، واتِّخاذُ الأسْباب النَّافِعَة مأمُورٌ بِه، فَإعدَادُ العُدَّة فِي الجِهَاد مِن أقْوَى الأسْباب، فَالأسْبَاب لَها فَائدَة كَبيرَة؛ لأنَّها تُعينُ عَلى العِبادَة.


الشرح