أهْلُ الإيمَان يُفرِّقون بَين الخالِق
والمَخلُوق:
****
فَهَؤُلاَءِ
يعلمُونَ أَن اللهَ رَبُّ كُل شَيءٍ ومليكُه وخَالقُه،
****
وَليسَ
المُرادُ بِأهلِ القُرآنِ الذِينَ يَحفظُونَه وَيُرتِّلُونه؛ بَل أهْلُ القُرآنِ
هُم الذينَ يَعمَلُون بهِ، حَتَّى وَلَو لَم يَحفَظُوه، فَالذِين يَعمَلُون
بِالقُرآنِ بِأوَامرهِ وَنواهِيهِ وَحُدودِه هُم أهْلُ القُرآنِ وَهُم أَهلُ اللهِ
وَخَاصَّتُه مِن خَلقِه، وَهُم خَاصَّةُ الخَاصَّة.
أَمَّا
مَن يَحفظ القُرآنَ وَيُجيدُ التِّلاوةِ وَيضبِطُ الحُروفَ وَيُضيِّعُ الحُدودَ،
فَهذا لَيسَ مِنْ أَهْلِ القُرآنِ وَليْسَ مِنَ الخَاصَّةِ، وَإنَّمَا هُو عَدوٌ
لِلهِ وَلِرسُولهِ وَمُخالِف لِلقُرآن، وَأهْلُ القُرآنِ هُم الذِين يَستِدلُّونَ
بِه وَلا يُقدِّمُون عَليهِ غَيرَه، وَيأخُذُون مِنْه الفِقهَ وَالأَحكَام
وَالدِّينَ.
قولُهُ: «فَهؤُلاَء يَعلَمونَ أنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيء وَمليكَهُ وَخالِقَه»، أَي المُؤمِنُون يُثبِتُون تَوحِيد الرُّبوبِيَّة وَتَوحِيد الأُلوهِيَّة، فَهُم جَمَعوا بَينَ تَوحِيد الرُّبُوبيَّة وَتوحيدِ الأُلوهِيَّة، وَعَرَفوا اللهَ عز وجل بِأسْمَائِه وَصِفاتِه وَكَمالِهِ وَجلالِهِ وَعظمَتِهِ، وَعَبدُوه حَقَّ عِبادَتِه، وَهَذا هُو التَّوحِيد الصَّحِيح، فَهمْ جَمَعوا بَينَ هَذا وَذَاك، بِخلافِ الصُّوفِيَّة وَأتبَاعِهم، فَإنَّهم إِنَّما عَرفوا تَوحِيد الرُّبوبيَّةِ فَقط، وجَحَدوا الشَّريعَة وَلمْ يَعمَلوا بِها، وَيَقولونَ: إِن الشَّريعَة لِلعَوامِّ، وَيكفِي الإنْسَانَ أنَّه يَعرِف تَوحيدَ الرُّبوبيَّةِ، وَأنَّ اللهَ هو الكَونُ كُلُّه.
الصفحة 1 / 397