والتَّوحيد عِندَهم أَنكَ لاَ تُقسِّم الكَونَ
إلَى مَخلُوق وخَالقٍ، بَل تجْعلِ الكَونَ كُلَّه هُو الله، حَتَّى الكِلابَ
وَالخنَازيرَ فَهيَ عِندَهم هِيَ اللهَ، فَمن فَرَّق بَينهَا فَهُو مُشرِك،
ويَقُولونَ: إِنَّ فِرعَون لَم يُخطِئ إِلا لأِنَّه ادَّعى الرُّبوبِيَّة لِنفسِه،
فَفرَّقَ بَين الكَائنَات؛ وَلذَلكَ كَفرَ، وَإلاَّ لَو اعْتقدَ أَنَّ الكَون
كُلَّه هُو اللهُ لَصار مُوحِّدًا.
قَولُه:
«وَجَعلوا مَا يَستحِقَّه مِن العِبَادة
وَالطَّاعةِ حَقًّا لِكلِّ مَوجُود؛ إِذ جَعلُوه هُو وُجُود المَخلُوقات»،
فَقد جَعلوا اللهَ هُو الوُجودَ كُلَّه، لاَ تَعدُّد، وَلا انْقسامَ،
وَالتَّقسِيمُ شِركٌ عِندَهم، فَهذا تَوحيدُ أهْلِ وَحدَة الوُجودِ.
·
أَهلُ
وَحدَةِ الوُجودِ هُم أكْفَرُ أَهلِ الأَرضِ، وَسَببُ ذلِكَ:
«وَهَؤلاءِ يَصلُ بِهمُ الكُفرُ
إِلى أَنَّهم لاَ يَشهدُونَ أنَّهُم عِباد»؛ لأِنَّه
لَيسَ لَديهِم عَبدٌ ومَعْبُود، بَل يَعتَبِرونَ ذَلكَ تَفريقٌ وَشركٌ، إِذ
الكَونُ كُلُّه هُو اللهُ المَعبُودُ.
«لاَ بِمَعنَى أنَّهُم مُعبَّدُون، وَلا بِمَعْنى أَنَّهم عَابدُون؛ إِذ يَشهَدُون أنْفُسَهُم هِي الحَقَّ»، أي: يَرونَ أَنفُسَهم أَنَّها هِي اللهُ، وَيقُول قَائِلُهم: «لَيسَ فِي الجُبَّةِ إلا اللهَ»، يَعنِي نَفسَه.
الصفحة 1 / 397