وَإِذا كَانَ العَبْدُ مُخْلِصًا لَهُ، اجْتَبَاهُ
رَبُّهُ، فَيُحْيِي قَلْبَهُ، واجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُ مَا
يُضَادُّ ذَلِكَ مِنَ السُّوءِ وَالفَحْشَاءِ، وَيخَافُ مِنْ حُصُولِ ضِدِّ ذَلِك؛
بِخِلاَف الْقَلْبِ الَّذِي لَمْ يُخْلِصْ لله؛ فَإِنَّهُ فِي طَلَبٍ وَإِرَادَةٍ
وَحُبٍّ مُطْلَقٍ، فَيَهْوَى مَا يَسْنَحُ لَهُ، وَيَتَشَبَّثُ بِمَا يَهْوَاهُ؛
كالغُصْنِ؛ أَيُّ نَسِيمٍ مَرَّ بِهِ بِعِطْفِهِ أَمَالَهُ؛ فَتَارَةً
تَجْتَذِبُهُ الصُّوَرُ الْمُحَرَّمَةُ وََغَيْرُ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَيَبْقَى
أَسِيرًا عَبْدًا لِمَنْ لَوِ اتَّخَذَهُ هُوَ عَبْدًا لَهُ، لَكَانَ ذَلِك
عَيْبًا وَنَقْصًا وَذَمًّا.
****
الله، فَقَالَ الله: إنَّ هؤلاء الَّذين اتَّخذتموهم
أَرْبَابًا مِنْ دُونِي هم يَعْبُدُونَنِي وَيَخَافُونَنِي وَيَدْعُونَنِي. فهم
فقراء إلى الله عز وجل.
﴿يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾؛ أي: القُرْبَ مِنَ الله جل وعلا وَيَتَنَافَسُونَ في
ذلك. ﴿أَيُّهُمۡ
أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ﴾؛ فَهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الخَوْفِ والرَّجَاءِ، ولا
يَأْخُذُونَ الخَوْفَ فَقَطْ وَيَقْنَطُونَ من رحمة الله، ولا يأخذون الرَّجاء فقط
فيأمنون مِنْ مَكْرِ الله، بل يَكُونُونَ بَيْنَ الخوف والرَّجاء، وتلك طريق
الأنبياء عليهم السلام وَمَنْ تَبِعَهُم.
ثمرة الإخلاص:
قوله:
«وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مُخْلِصًا لَهُ
اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَيُحْيِي قَلْبَهُ»: إذا رَزَقَ اللهُ عز وجل العَبْدَ
الإخلاص، لا يَضُرُّهُ شَيْءٌ، مَهْمَا عَرَضَ له مِنَ الشَّهوات والشُّبُهَاتِ
والشَّدَائِدِ؛ فإنَّ الله يُثَبِّتُهُ، وأمَّا إذا كان في القلب نَقْصٌ في
الإخلاص، فإنَّه يَتَأَثَّرُ بِالعَوَارِضِ مِنَ الشُّبُهَاتِ والشَّهَوَاتِ
وَالمَخَاوِفِ وَغَيْرِ ذلك، بِحَسَبِ ما فِيهِ مِنَ النَّقْصِ.
الصفحة 1 / 397