×
شرح كتاب العبودية

وهذا النَّوْعُ الَّذِي عَلَيْهِ أَتْبَاعُ الأَْنْبِيَاءِ هُوَ «الفَنَاءُ الْمَحْمُودُ»، الّذِي يكونُ صَاحبُه بِهِ مِمَّنْ أَثْنَى اللهُ عَلَيْهِم منْ أوليائِه الْمُتَّقِينَ، وَحزْبِهِ المُفْلِحين، وجُندِهِ الغَالِبينَ. وَلَيْسَ مُرَادُ الْمَشَايِخِ وَالصَّالِحِينَ بِهَذَا القَوْلِ: أَنَّ الَّذِي أرَاهُ بعيني مِن الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ رَبُّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَقُولُه إِلاَّ مَن هُوَ فِي غَايَة الضَّلالِ وَالْفسادِ، إِمَّا فَسَادُ الْعقْلِ، وَإِمَّا فَسَادُ الاِعْتِقَادِ. فَهُوَ مُتَرَدِّد بَينَ الْجُنُونِ والإِلْحَادِ.

وكلُّ الْمَشَايِخ الّذين يُقْتَدى بهِم فِي الدَّين مُتَّفقُون على مَا اتَّفق عَلَيْهِ سلفُ الأُْمَّةِ وأئمَّتُها، مِن أَنَّ الْخَالِق سُبْحَانَهُ مُبَاينُ للمَخْلوقاتِ، وَلَيْسَ فِي مخلوقاتِه شَيْءٌ مِن ذَاته، وَلاَ فِي ذَاتِه شَيْءٌ مِن مخْلوقَاتِه،

****

قوله: «هُوَ «الْفَنَاءُ المحْمُودُ»: أي: فنَاءَ القُصودِ، فلا يُقصَدُ إلاَّ اللهُ سُبحانه وتَعالى، وهذا أكْمَلُ الأنوَاعِ، والذي يليهِ نوعٌ ناقِصٌ، وهو فَناءُ الشُّهودِ، والنَّوع الثَّالثُ باطلٌ«وهو فنَاءُ الوجُودِ».

·       مَا عليْه أَهلُ الحقِّ:

قوله: «مِنْ أَنَّ الخالِقَ سُبْحَانَهُ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ»: اعتقادُ أهلِ السُّنة والجمَاعةِ، وجميعُ طوائفِ المسلمينَ، حتَّى أهْلُ الضَّلالِ مِنَ الفِرَقِ المنحَرفةِ أيْضًا لا يَروْن أنَّ اللهَ حالُّ في المخلوقَاتِ، ولا أنَّ المخلوقاتِ حالَّةٌ في الله، وإِنَّما يروْن أنَّ الله مُبايِنٌ للمخلوقَاتِ؛ ولهذا يقولون: بائنٌ مِنْ خلقِه،مُستوٍ على عَرْشِه. أي: ليسَ في ذاتِهِ شَيْءٌ مِن خلْقِه، ولا في خلْقِه شيءٌ مِنْ ذاتِه سبحانه وتعالى، بائِنٌ مِن خلْقِه.


الشرح