وَأَنَّه يَجِبُ إِفْرَادُ الْقَدِيمِ عَنِ
الْحَادِثِ؛ وتمييزُ الْخَالِقِ عَنِ الْمَخْلُوقِ. وَهَذَا فِي كَلاَمِهم أَكثرُ
مِن أَنْ يُمكِنَ ذكْرُه هُنَا.
وهم قد تكلَّمُوا
على مَا يعرِضُ للقلوبِ مِن الأَْمْرَاض والشُّبهَاتِ؛ وأنَّ بعضَ النَّاسِ قد
يشْهدُ وجودَ الْمَخْلُوقَاتِ؛ فيظنُّه خَالقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، لعدَم
التَّمْيِيزِ وَالْفرْقَانِ فِي قلبِهِ؛ بِمَنْزِلَةِ منْ رأىِ شُعَاعَ الشَّمْسِ
فَظنَّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الشَّمْس الَّتِي فِي السَّمَاء.
وهم قد
يَتَكَلَّمُونَ فِي «الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ»، وَيدخُلُ فِي ذَلِكَ منَ الْعبارَاتِ
المُلفِتةِ نَظِيرَ مَا دَخلَ فِي الفنَاءِ.
****
وهذا
ردٌّ على الحُلوليَّةِ، والاتحاديَّةُ الَّذينَ يقولونَ: إنَّ اللهَ هو هذا
الكونُ. أو:إنَّ الكَوْنَ هو اللهُ. ومَضمونُ هذا الرَّدِّ أنَّ اللهَ جل وعلا
بائِنٌ مِن خلْقِه، فَوْقَ سَمواتِه، مُسْتوٍ على عَرْشِه، والخالقُ غيرُ
المخلُوقِ، والرَّبُّ غيرُ العبادِ، وهذَا ما تَتَّفِقُ عليه عقُولُ البَشرِ.
قوله:
«وَأَنَّهُ يَجِبُ إِفْرَادُ الْقَدِيمِ
عَنْ الحادِثِ؛ وَتَمْيِيزُ الخالِقِ عَنْ المخْلُوقِ»: القديمُ هو اللهُ جل
وعلا، وإنْ كانَتْ هذهِ اللَّفظةُ لمْ تَرِدْ، بل يُقالُ: الأوَّلُ. فاللهُ سمَّى
نفْسَه الأوَّلَ، ولم يَقُل: القَديم. لكنَّ المعنى صحيحٌ؛ والقديمُ: هو اللهُ.
يُخبَرُ عنه بذلكَ ولا يُسَمَّى به، والحادِثُ: هو المخْلوقُ. فكلُّ المخلوقاتِ
حادثةٌ بعدَ أنْ لم تكُنْ.
* فالَّذي أوقعَهم في الضَّلالِ أنَّهم لا يُميِّزونَ بينَ الخَالقِ والمخلوقِ، فيظنُّونَ أنَّ وجودَ المخلوقِ هو وجودُ الخالقِ لا فَرْقَ بينَهما.