×
شرح كتاب العبودية

فَإِنَّ العَبْدَ إِذا شَهِدَ التَّفْرِقَةَ وَالْكَثْرَة فِي الْمَخْلُوقَاتِ؛ يبْقى قلبُه مُتَعَلّقًا بهَا، مشتتًا نَاظرًا إِلَيْهَا متعلّقًا بهَا: إِمَّا محبَّةً، وَإِمَّا خوفًا، وَإِمَّا رَجَاءً؛ فَإِذا انْتَقلَ إِلَى الْجَمْعِ اجْتمَعَ قلبُه على تَوْحِيدِ اللهِ وعبادتِه وَحدَه لاَ شريكَ لَهُ؛ فَالْتَفتَ قلبُه إِلَى اللهِ بعدَ التفاتِه إِلَى المخلوقينَ، فَصَارَتْ محبتُه إِلَى ربِّه وخوفُه مِن ربِّه ورَجَاؤُه لرَبِّه واستعانتُه بربِّه، وَهُوَ فِي هَذَا الْحَالِ قد لاَ يَسَعُ قلْبَه النَّظَرُ إِلَى الْمَخْلُوقِ ليُفرِّقَ بَينَ الْخَالِق والمَخْلُوق؛ فقد يَكونُ مُجتَمِعًا على الْحقِّ، مُعرِضًا عَن الْخَلق نَظرًا وقصْدًا، وَهُوَ نَظِيرُ النَّوْعِ الثَّانِي مِن الفنَاءِ.

****

إذا تعلَّقَ قلبُه باللهِ، واتَّخَذَ هذه المَخلوقاتِ عَوْنًا له على طاعةِ اللهِ، واستَخْدَمَها في طاعةِ اللهِ فهذا طَيِّبٌ، أمَّا إذا تَعَلَّقَ قلبُه بها تعلّقَ محبَّةٍ وطمعٍ ووَلَهٍ؛ فربَّما تجذبُه وتأخذُه عن طاعةِ اللهِ عز وجل، ولا يعني هذا أن نرفضَ الموجوداتِ كلَّها، لأنَّها مَخلوقةٌ لحكمةٍ خَلقَها اللهُ لنا، لنَستعينَ بها على مصالِحِنا، وعلى عبادةِ اللهِ وطاعتِه، ولكنَّ القلبَ لا يتعلَّقُ بها؛ بل يتعلَّقُ باللهِ عز وجل الَّذي أوجَدَها وسخَّرها لنا.

فإذا جَمَعَ قلبَه وهمَّهُ على اللهِ جل وعلا؛ زَالتْ عنْه هذهِ الأُمورُ، والانجذابُ والالتفاتُ إلى غيرِ اللهِ، وإذا نَظَرَ إلى المخلوقاتِ نَظَرَ مُعجَبٍ بها؛ تفرَّق همُّه وتفرَّقت مطامعُه، وغفَلَ عنِ اللهِ عز وجل.

قوله: «وَهُوَ نَظِيرُ النَّوْعِ الثَّانِي مِنَ الْفَنَاءِ»: وهو فَناءُ السِّوى، أي: صرْفُ النظرِ عمَّا سِوَى اللهِ عز وجل.


الشرح