×
شرح كتاب العبودية

وَلَكِن بعد ذَلِك «الْفرق الثَّانِي» وَهُوَ: أَن يَشْهَدَ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ قَائِمَةٌ بِاللَّهِ، مُدبَّرةٌ بأَمْرِهِ، وَيشْهدُ كثرتَها مَعْدُومَةً بوحْدانيَّةِ اللهِ سبحانه وتعالى، وَأَنَّه سُبْحَانَهُ ربُّ المَصنُوعاتِ، وإِلهُها وخالقُها ومَالِكُها، فَيكُونُ مَعَ اجْتِمَاع قلبِه على اللهِ - إخلاصًا له ومحبَّةً وخَوفًا ورَجَاءً واستِعَانةً وتَوكُّلاً على اللهِ ومُوالاةً فِيهِ ومعَاداةً فِيهِ وأَمثال ذَلِك - نَاظرًا إِلَى الْفرق بَين الْخَالِق والمَخلُوقِ، مُمَيِّزًا بَين هَذَا وَهَذَا، يشْهد تَفرُّقَ الْمَخْلُوقَات وَكَثْرَتَهَا، مَعَ شَهَادَتِه أَنَّ اللهَ ربُّ كلِّ شَيْءٍ ومليكُه وخالقُه، وَأَنَّه هُوَ اللهُ لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ.

****

 قوله: «وَهُوَ: أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ المخْلُوقَاتِ قَائِمَةٌ باللهِ»: بمعنى أنَّ اللهَ هو الَّذي أقامَها وأوجدَها؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ [البقرة: 255]، الذي أقامَ المخلوقَاتِ، فكلُّها قائمةٌ باللهِ، فهُو الَّذي أقامَها وأمدَّها وأوْجدَها، وبدونِ اللهِ ليسَتْ شَيئًا.

قولُه: «مُدَبَّرَةٌ بِأَمْرِهِ» تفسيرٌ لقولِه: «قَائِمَةٌ بِاللهِ»: أي: أنَّ اللهَ هو الَّذي أوْجدَها وأقامَها، وهو من معنى قولِه: «القيُّوم»، و«القَيَّام».

قوله: «وَيَشْهَدُ كَثْرَتَهَا مَعْدُومَةً بِوَحْدَانِيَّةِ الله سبحانه وتعالى »: أي: يراها كلَّها راجعةً إلى اللهِ عز وجل، مخلوقةً للهِ؛ لمْ توجِدْ نفسَها، وإنَّما أوْجدَها اللهُ سُبحانه.

قولُه: «وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَبُّ المصْنُوعَاتِ وَإِلهُهَا وَخَالِقُهَا وَمَالِكُهَا»: فهي تدلُّ على توحيدِ الرُّبوبيةِ، فكلُّ الموجوداتِ راجعةٌ إلى اللهِ، فاللهُ هو الَّذي أوجدَها وعدَّدها، وفاوَتَ بينَها، فهي ليستْ قديمةً، وإنَّما هي مُحدَثةٌ ومخلوقةٌ.


الشرح