×
شرح كتاب العبودية

وَهَؤُلاَء لاَ يحتجون بِالقدرِ مُطلقًا؛ بل عمدتهم اتِّبَاع آرائهم وأهوائهم وجعلُهم لمَا يرونه ويهوَونه حَقِيقَة، وأمرهم باتباعها دون اتِّبَاع أَمر الله وَرَسُوله، نَظِير بدع أهل الكَلاَم من الجَهْمِية وَغَيرهم، الذين يجْعَلُونَ مَا ابتدعوه من الأَقْوَال المُخَالفَة للكِتَاب وَالسُّنَّة حقائق عَقليَّة يجِبُ اعتِقَادها، دون مَا دلَّت عليه السمعيات. ثمَّ الكتاب وَالسّنة إِمَّا أَن يحرفوه عَن موَاضعه وَإِمَّا أَن يعرضُوا عَنهُ بِالكُلِّيَّةِ، فَلاَ يتدبرونه وَلاَ يعقلونه؛

****

وقَولُه: «كَما يُسمُّون مَا يَشهَدون مِنَ القَدر «حَقِيقَة»..»، أي: فَهُم يُعرِضون عَمَّا شَرَعَه اللهُ سُبحانه إِلى مَا تَهواهُ نُفوسُهم، وتَلذُّ بِه قُلوبُهم.

قولُهُ: «وَهؤلاءِ لاَ يَحتجُّون بِالقدَر مُطلقًا؛ بَل عُمدَتُهم اتِّباعُ آرائِهم وَأهواِئهم وجَعْلِهِم لما يَرونَهُ وَيهوَوْنَه حَقيقَة..»، فَهم زِيادة عَلَى الاحْتجاجِ بالقَضَاء والقَدرِ، فَقد أضَافُوا إِلى ذَلكَ اتِّباعَ مَا يَهوونَهُ وَما يَتلذَّذُون بِه مِن الأمُورِ، فَيشَرِّعُون لأِنْفُسهِم مَا لذَّ لَهُم وَوافقَ أهْواءَهم وَرغبَاتِهم، وَيُعرضونَ عَن شَرعِ اللهِ سبحانه وتعالى، وُيسمُّون مَا يُشرِّعونَه لأنْفُسهم مِن الذَّوقِ والوَجدِ.. إلَى آخِره «حقِيقة»، وَيسمُّون مَا جَاءت بِهِ الرُّسلُ «شَرِيعَة»، وَيقولُون: الحَقيقةُ طَريقُ الخَواصِّ، والشَّريعَةُ طَريقُ العَوامِّ.

·       مُشابَهَةُ بِدعِ أَهلِ الكَلامِ فِي الاسْتدْلاَل لِبدَع الصُّوفِيَّة:

* فَالصُّوفيَّة فِي «أمْرِهم بِاتِّباعِها دُون اتِّباع أمْرِ اللهِ ورَسُوله، نَظير بِدَع أَهلِ الكَلام مِن الجهْميَّة وَغيرِهم..»: فَالجهْمِيَّة وَرئِيسُهُم الجَهمُ بْن صَفوَان، وَالمُعتَزلَة وَرئيسُهُم وَاصل بْنُ عَطاء وَمنْ شَابَهَه، وعُمومُ المُتكلِّمينَ الذِينَ يَحتجُّون بِعلْم الجَدلِ وَقواعِد المَنطِق وَما يُسمُّونها


الشرح