وَأَن الخَالِق سُبْحَانَهُ مبَاينٌ للمَخلوقِ،
لَيْسَ هُوَ حالاًّ فِيهِ، وَلاَ متَّحدًا بِهِ، وَلاَ وُجودُه وجودَه.
وَ«النَّصَارَى» كفَّرهم الله بأن قَالُوا بالحلول والاتحاد بالمسيح خَاصَّة، فَكيف
من جعل ذَلِك عَامًّا فِي كل مَخْلُوق؟
****
«وَأنَّ
الخَالقَ سُبحانَهُ مبَاينٌ لِلمخْلُوقِ لَيس هُو حَالًّا فيهِ، وَلا مُتَّحِدًا
بهِ، وَلا وُجُودَه وُجودُه»، بِخلاف غُلاةِ الصُّوفيَّة الذِينَ يَقولُون:
الكَونُ كُلُّه هُو اللهُ وَلا تَعدُّد فِيه وَلا انْقِسام؛ وَلذَلكَ يُسمَّونَ
أَهلَ وَحدَةِ الوُجودِ، فَالوجُودُ بِزعْمِهمْ كُلُّه هُو اللهُ، تَعَالى اللهُ
عَن ذَلكَ.
فَالرُّسلُ
وَأتبَاعُهم يَعتَقدونَ بِوُجود الفَرقِ بَين الخَالِقِ وَالمَخلُوقِ، وَأنَّ
اللهَ هُو رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَخالِقِه، وَمَا سِواهُ فَهُو مَخلوقٌ، وَعَبدٌ للهِ
سبحانه وتعالى، هَؤلاءِ هُم المُؤمنُون، فَيعتَقدُون أنَّ اللهَ جل وعلا مُباينٌ
لِخلقِه، لَيس حالًّا فِي المَخلوقِ فِيهم كَما تَقولُه الحُلولِيَّة مِن
الصُّوفِية وَغيرِهم، وَكما تَقُوله النَّصَارى إِنَّ اللهَ حَلَّ في
المَسيح، فهَذا قَولُ الحُلولِيَّة الكُفَّار.
فَاللهُ
جل وعلا بَائنٌ مِن خَلقِه، لَيسَ فِي ذَاتهِ شَيءٌ مِن مَخلُوقَاتهِ، وَلا فِي
مَخلُوقَاتهِ شَيءٌ مِن ذَاتِه سُبحَانَه، اسْتوى علَى العَرشِ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ،
وَهُو العَليِّ الأَعلَى جل وعلا.
فَقولُ
المُصنِّف: «وَأنَّ الخَالقَ
سُبحَانه مُباينٌ لِلمَخلوقِ»، هَذا رَدٌّ عَلى الحُلوليَّة والاتِّحَاديَّة،
وَكلمَة «مُبَايِن» معْنَاها:
مُنفَصلٌ، فَالخالِقُ مُنفَصلٌ عَن المَخلُوق، والمَخلُوق مُنفَصِل عَن الخَالِق،
وَليسَ بَينهُما اخْتلاطٌ وَلا اتِّحادٌ ولا حُلولٌ كَما يَقوله هَؤلاَء، «وَلاَ وُجودَهُ وُجُودُه»، كَما يَقوله
أَهل وَحدَة الوُجُود.